فصل: في الْحَمَالَةِ إلَى مَوْتِ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الرَّجُلِ يَطْلُبُ قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا فيطْلُبُ مِنْهُ حَمِيلًا بِالْخُصُومَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ في مُعَامَلَةٍ، فَقَالَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ: أَعْطِنِي كَفيلًا حَتَّى أُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ بَيِّنَتَهُ.
قُلْت: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ كَفيلًا بِوَجْهِهِ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ؟
قَالَ: لَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا أُثْبِتَتْ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ عَلَيْهِ كَفيلٌ بِنَفْسِهِ لِيُوقِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ أَعْطِنِي وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ حَتَّى أُقِيمَ بَيِّنَتِي؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُعْطِيَهُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُوَكِّلَ؛ لِأَنَّا نَقْبَلُ بَيِّنَةَ هَذَا الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَلَا يُلْزَمُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ: أَعْطِنِي كَفيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى أُقِيمَ بَيِّنَتِي وَلَا أُرِيدُ نَفْسًا، أَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفيلًا أَمْ لَا يَلْزَمُهُ؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا، فيطْلُبَ الْكَفيلُ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَسْتُ أَقُومُ عَلَى سَمَاعِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ هَذَا مَا يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي بَيِّنَةً حَاضِرَةً يَرْفَعُهَا مِنْ السُّوقِ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ، فَأَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوقِفَ الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ، وَيَقُولَ لِلطَّالِبِ: مَكَانَكَ ائْتِ بِبَيِّنَتِك فَإِنْ أَتَى بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ.
سَحْنُونٌ: وَهَذَا الْأَصْلُ في كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَدْ بُيِّنَ.

.في الرَّجُلِ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالْقَضِيَّةِ أَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفيلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْتُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ أَبِي أَوْ جَدِّي، أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ مَتَاعِي أَوْ مَتَاعُ أَبِي، مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي، فَقَضَى لِي الْقَاضِي، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي كَفيلًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّ الْكَفيلَ الَّذِي تَأْخُذُهُ الْقُضَاةُ في هَذَا، إنَّمَا هُوَ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إذَا اسْتَحَقُّوا حُقُوقَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِكَفيلٍ، بَلْ يُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الطَّعَامُ إلَى أَجَلٍ فيأْخُذُ مِنْهُ بِهِ كَفيلًا):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الطَّعَامُ إلَى أَجَلٍ فيأْخُذُ مِنْهُ بِهِ كَفيلًا فيصَالِحُهُ الْكَفيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَدْنَى أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَجْوَدَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ، مِنْ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ أَخَذْتُ مِنْهُ كَفيلًا، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَعْطَانِي الْكَفيلُ بَعْضَ طَعَامِي، عَلَى أَنْ تَرَكْتُ لَهُ بَعْضًا، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَعْطَانِي بَعْضَ الطَّعَامِ، عَلَى أَنْ تَرَكْتُ لَهُ بَعْضَ الطَّعَامِ.
قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ ضَعْ عَنِّي وَتَعَجَّلْ.
فَأَمَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ الْكَفيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِمَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: لَوْ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْهُ عَلَى أَنْ تَرَكَ لَهُ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ وَتَعَجَّلَ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَكَذَلِكَ الْكَفيلُ عِنْدِي مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْكَفيلَ إذَا صَالَحَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى حِنْطَةٍ، مِثْلُ كَيْلِ حِنْطَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، إلَّا أَنَّهَا أَجْوَدُ مِنْ شَرْطِ الطَّالِبِ أَوْ أَدْنَى مِنْ شَرْطِهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الطَّالِبَ قَبْلَ الْأَجَلِ، عَلَى حِنْطَةٍ مِثْلُ كَيْلِ حِنْطَتِهِ إذَا كَانَتْ أَجْوَدَ مِنْ حِنْطَتِهِ أَوْ أَدْنَى.
قُلْت: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ؟
قَالَ: لَا خَيْرِ في ذَلِكَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، أَنْ يُصَالِحَهُ الْكَفيلُ عَلَى مِثْلِ كَيْلِ حِنْطَتِهِ أَوْ أَجْوَدَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفِهَا أَوْ أَدْنَى مِنْهَا، إذَا كَانَتْ الَّتِي عَلَيْهِ سَمْرَاءَ كُلَّهَا أَوْ مَحْمُولَةً كُلَّهَا، وَإِنْ أَخَذَ أَيْضًا أَجْوَدَ مِنْ حِنْطَتِهِ وَأَدْنَى مِنْ كَيْلِهَا، فَلَا خَيْرَ فيهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِذَا أَخَذَ مِثْلَ كَيْلِ طَعَامِهِ، فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ أَجْوَدَ إذَا كَانَتْ مِنْ الصِّنْفِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَ الطَّالِبَ - إذَا حَلَّ الْأَجَلُ - الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى مِثْلِ كَيْلِ حِنْطَتِهِ أَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى.
وَالْكَفيلُ إذَا صَالَحَ بِأَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى، صَارَ يَتْبَعُ بِغَيْرِ مَا أَعْطَى فَصَارَ في التَّسْلِيفِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ بَدَلًا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ.
وَإِذَا أَعْطَى الْكَفيلَ غَيْرَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ، كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْكَفيلَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَصَارَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ.
وَلَا بَأْسَ عَلَى الْكَفيلِ أَنْ يُعْطِيَ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْ الصِّنْفِ في الْقَرْضِ، مِثْلُ الْمَكِيلَةِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ.
وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَ الْقَرْضَ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى.

.في الرَّجُلِ يُدْرِكُ قِبَلَ الطَّالِبِ حَقًّا يُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ بِحَقٍّ لِي - وَلِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ - أَيَبِيعُهُ الْقَاضِي وَيُوَفينِي حَقِّي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي كَفيلًا؟
قَالَ: الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفيلًا بِحَقِّهِ الَّذِي حُكِمَ لَهُ بِهِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِهَذَا إذَا أَثْبَتَ حَقَّهُ.
قُلْت: رَبَاعًا كَانَتْ أَمْوَالُهُ أَوْ غَيْرَ رَبَاعٍ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.الدَّعْوَةُ في الْحَمَالَةِ:

قَالَ سَحْنُونٌ: وَسَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ اشْتَرَوْا سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ أَيَّهمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي، - كُلُّ وَاحِدٍ حَمِيلٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ - فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ، فَادَّعَى وَرَثَةُ الْهَالِكِ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَالَ كُلَّهُ إلَى بَائِعِ السِّلْعَةِ وَأَقَامُوا شَاهِدًا.
قَالَ: يَحْلِفُونَ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَيَبْرَءُونَ، وَيَرْجِعُونَ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ بِمَا أَدَّى صَاحِبُهُمَا عَنْهُمَا.
قُلْت: فَإِنْ أَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَحْلِفُوا، أَتَرَى لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَحْلِفَا؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُ وَوَكَّلْنَاهُ بِالدَّفْعِ عَنْهُ وَعَنَّا وَدَفَعْنَا ذَلِكَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ عَلَيْنَا وَإِنَّمَا الشَّاهِدُ لَنَا فيحْلِفَانِ وَيَبْرَآنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُلْت لَكَ أَنَا كَفيلٌ لَك بِفُلَانٍ إلَى غَدٍ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ، فَمَضَى الْغَدُ فَقُلْت: قَدْ وَافيتُك بِهِ وَقَالَ: لَمْ تُوَافِنِي بِهِ؟
قَالَ: يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ وَافَاهُ بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

.الْحَمَالَةُ في الْحُدُودِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحُدُودَ، أَفيهَا كَفَالَةٌ؟
قَالَ: لَا كَفَالَةَ في الْحُدُودِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَنِي وَلَمْ يَقْذِفْنِي، فَأَخَذْتُ مِنْهُ كَفيلًا بِنَفْسِهِ فَهَرَبَ الرَّجُلُ؟
قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ أَدَبٌ، وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ في هَذَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ هَذَا رَأْيِي أَنَّهُ لَا كَفَالَةَ في الْحُدُودِ وَلَا في التَّعْزِيرِ.
ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ حَمَالَةٌ في دَمٍ وَلَا في زِنَا وَلَا في سَرِقَةٍ وَلَا في شُرْبِ خَمْرٍ وَلَا في شَيْءٍ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَتُقْبَلُ فيمَا سِوَى ذَلِكَ.

.في كَفَالَةِ الْأَخْرَسِ:

قُلْت: هَلْ تَجُوزُ كَفَالَةُ الْأَخْرَسِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَثْبَتَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْأَخْرَسَ قَدْ فَهِمَهُ مِنْ طَلَاقِهِ وَشِرَائِهِ، إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ.

.في الرَّجُلِ يُقِرُّ في مَرَضِهِ بِالْكَفَالَةِ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هُوَ أَقَرَّ أَنَّهُ تَكَفَّلَ في مَرَضِهِ، أَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ في ثَلَاثَةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إنَّمَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ في ثُلُثِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالْكَفَالَةِ في مَرَضِهِ، أَنَّهُ تَكَفَّلَ لَهُ في مَرَضِهِ صَدِيقًا مُلَاطِفًا، أَيَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَارُ في ثُلُثِ الْمَيِّتِ؟
قَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ جَائِزَةٌ في الثُّلُثِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ فَلَا يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فَإِنَّمَا يُرَدُّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ، وَلَا يُرَدُّ إذَا كَانَ يُوَرِّثُ بِغَيْرِ دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ مَعَ الْوَرَثَةِ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ مَعَ الدَّيْنِ الَّذِي يَغْتَرِقُ مَالَهُ لَمْ تَجُزْ.
فَلِذَلِكَ اُتُّهِمَ إذَا كَانَ صَدِيقًا مُلَاطِفًا إذَا أَقَرَّ لَهُ مَعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ وَلَا يُتَّهَمُ إذَا أَقَرَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ دَيْنٍ وَكَانَ يُوَرَّثُ بِوَلَدٍ أَوْ كَلَالَةٍ فَالْوَصِيَّةُ، لَهُ جَائِزَةٌ في الثُّلُثِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ أَبَاعِدَ إنَّمَا هُمْ عَصَبَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، الْوَصِيَّةُ لَهُ جَائِزَةٌ في مَسْأَلَتِك هَذِهِ في قَوْلِ، مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّ في مَرَضِهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْتَقْت عَبْدِي في مَرَضِي هَذَا، أَيَجُوزُ هَذَا في ثُلُثِهِ؟
قَالَ: كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ في مَرَضِهِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ في الصِّحَّةِ فَهُوَ خِلَافُ مَا أَقَرَّ بِهِ في مَرَضِهِ.
فَإِنْ قَامَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ، أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى يَمْرَضَ أَوْ يَمُوتَ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.
وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ إلَّا الْعِتْقَ وَالْكَفَالَةَ، فَإِنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِهِ في الصِّحَّةِ وَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، أُعْتِقَ في رَأْسِ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ، أُخِذَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ مَالِهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ في صِحَّتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ أَقَرَّ في مَرَضِهِ بِكَفَالَةٍ، أَوْ قَالَ: كُنْتُ تَكَفَّلْت في الصِّحَّةِ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ بِكَفَالَةٍ، وَالرَّجُلُ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُ وَارِثٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ بِالدَّيْنِ في مَرَضِهِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يُقِرُّ في مَرَضِهِ فيقُولُ: قَدْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى فُلَانٍ بِدَارِي أَوْ بِدَابَّتِي في الصِّحَّةِ، أَوْ كُنْتُ حَبَسْت في صِحَّتِي خَادِمِي أَوْ دَارِي عَلَى فُلَانٍ، أَوْ قَدْ كُنْتُ أَعْتَقْت عَبْدِي في صِحَّتِي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ هَذَا في ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ كُلُّهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ أَوْصَى، كَانَتْ الْوَصَايَا في ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ قَصَرَ الثُّلُثُ عَنْ وَصِيَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْوَصَايَا في ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَمْ تَدْخُلْ الْوَصَايَا في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ، وَإِنَّمَا الْوَصَايَا فيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّتُهُ فيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ يَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ مِيرَاثًا.
قُلْت: وَلَا تَكُونُ وَصِيَّةً لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَكُونُ لَهُ وَصِيَّةٌ.

.في كَفَالَةِ الْمَرِيضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَرِيضَ إذَا تَكَفَّلَ بِكَفَالَةٍ، أَتَجُوزُ كَفَالَتُهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ في ثُلُثِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَدْ قَالَ في الْمَرْأَةِ، تَكُونُ تَحْتَ الزَّوْجِ فَتَتَكَفَّلُ بِكَفَالَةٍ: إنَّ ذَلِكَ في ثُلُثِهَا إذَا لَمْ تُجَاوِزْ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُورَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَالِهَا وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ قَدْ حُجِرَ عَنْهُ جَمِيعُ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِهِ الثُّلُثُ، وَالْكَفَالَةُ مَعْرُوفٌ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ في ثُلُثِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ مَعْرُوفُهَا في ثُلُثِهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلَ في مَرَضِهِ بِكَفَالَةٍ، وَدَايَنَ النَّاسَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ حَتَّى اغْتَرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ، أَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ وَلَا يُحَاصُّ بِهَا الْغُرَمَاءَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَكَذَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَوْلَى مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ في الثُّلُثِ وَالدَّيْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ في الثُّلُثِ وَآخَرُ يَكُونُ في جَمِيعِ الْمَالِ، فَاَلَّذِي يَكُونُ في جَمِيعِ الْمَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَرَكِبَهُ دَيْنٌ اغْتَرَقَ مَالَهُ، أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ مِنْ الْمَرِيضِ في مَرَضِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلَ في مَرَضِهِ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَصَحَّ مَنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، أَتَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى وَارِثٍ في مَرَضِهِ بِأَمْرٍ بَتَلَهُ لَهُ ثُمَّ صَحَّ، لَزِمَتْهُ الصَّدَقَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

.في الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَخْدُمُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِالْخِدْمَةِ حَمِيلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَجِيرًا لِخِدْمَتِي شَهْرًا وَأَخَذْت مِنْهُ كَفيلًا بِالْخِدْمَةِ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْغُلَامِ يُسْتَأْجَرُ سَنَةً فيمُوتُ، فيرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَهُ غُلَامًا يَعْمَلُ لَهُ عَمَلَهُ، وَيَقُولُ سَيِّدُ الْغُلَامِ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْكَ غُلَامًا يَعْمَلُ لَكَ مَكَانَهُ.
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذَا مِنْ قِبَلِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّكَ تَفْسَخُ دَيْنَكَ في دَيْنٍ لَا تَسْتَوْفيهِ مَكَانَكَ.
فَالْحَمَالَةُ في مِثْلِ هَذَا لَا تَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْغُلَامُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَمِيلِ أَنْ يَأْتِيَ بِغُلَامٍ آخَرَ يَخْدُمُهُ.

.في الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الْخَيَّاطَ يَخِيطُ لَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِالْخِيَاطَةِ حَمِيلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت ثَوْبِي إلَى خَيَّاطٍ، وَشَرَطْت عَلَيْهِ أَنْ يَخِيطَهُ هُوَ نَفْسُهُ، أَيَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْتُ مِنْهُ حَمِيلًا بِالْعَمَلِ؟
قَالَ: إنْ كُنْتَ أَخَذْتَ مِنْهُ حَمِيلًا بِالْعَمَلِ، إنْ مَاتَ الْخَيَّاطُ أَوْ عَاشَ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ.
وَإِنْ كُنْتَ أَخَذْتَ مِنْهُ حَمِيلًا عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يَعْمَلَهُ لَكَ، فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ وَهُوَ مِثْلُ الْحَمِيلِ بِالْخِدْمَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْأَصْلَ قَبْلَ هَذَا.

.في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الرَّاحِلَةَ بِعَيْنِهَا وَيَأْخُذُ مِنْ الْمُكْرِي كَفيلًا بِالْحُمُولَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا وَأَخَذْت مَنْ رَبِّهَا كَفيلًا بِالْحُمُولَةِ، أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟
قَالَ: الْحَمَالَةُ بِالْحُمُولَةِ لَا تَجُوزُ في كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا، وَأَمَّا إنْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا بِالْكِرَاءِ إنْ مَاتَتْ الرَّاحِلَةُ رَدَّ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ، فَالْحَمَالَةُ جَائِزَةٌ.
وَإِنْ كَانَتْ الْحَمَالَةُ في كِرَاءٍ مَضْمُونٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ أَجِيرُ الْخِيَاطَةِ وَالْخِدْمَةِ.

.في الرَّجُلِ يَكْتَرِي كِرَاءً مَضْمُونًا وَيَأْخُذُ حَمِيلًا بِالْحُمُولَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ الْحَمَالَةُ في كِرَاءٍ مَضْمُونٍ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى مَكَّةَ، وَأَخَذْت مِنْهُ حَمِيلًا بِالْحُمُولَةِ، فَفَرَّ الْمُكَارِي وَأَخَذْت الْحَمِيلَ، فَاكْتَرَى لِي إبِلًا إلَى مَكَّةَ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهَا بِضِعْفِ مَا اكْتَرَيْت مِنْ صَاحِبِي الَّذِي فَرَّ، ثُمَّ رَجَعَ صَاحِبِي فَقَدَرَ عَلَيْهِ الْحَمِيلُ، بِمَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: يَرْجِعُ الْحَمِيلُ عَلَيْهِ بِمَا اكْتَرَى الْحَمِيلُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ.
وَالْكِرَاءُ الْأَوَّلُ لِلْمُكْرِي الْهَارِبِ، وَعَلَى الْهَارِبِ أَنْ يَرُدَّ إلَى الْحَمِيلِ الْمَالَ الَّذِي اكْتَرَى بِهِ الْحَمِيلُ لِلْمُتَكَارِي.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمُكْرِي إذَا هَرَبَ اكْتَرَى عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ مَا اكْتَرَى عَلَيْهِ بِهِ.
فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت وَلَمْ آخُذْ مِنْهُ حَمِيلًا ثُمَّ هَرَبَ الْمُكَارِي فَأَتَيْتُ السُّلْطَانَ، أَيَتَكَارَى لِي عَلَيْهِ السُّلْطَانُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَأَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَكَارَيْتُ بِهِ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في كَفَالَةِ الْعَبِيدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَادَاتِهِمْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ التَّاجِرَ وَالْمُكَاتَبَ، هَلْ تَجُوزُ كَفَالَتُهُمْ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُمْ، وَلَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بِكَفَالَةٍ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ حَتَّى عَتَقُوا؟
قَالَ: الْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لَهُمْ.
قُلْت: فَإِنْ فَسَخَ السَّيِّدُ الْكَفَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقُوا ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ؟
قَالَ: فَلَا كَفَالَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَجُوزُ صَدَقَاتُهُمْ وَلَا هِبَتُهُمْ.
فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ السَّيِّدُ جَازَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ رَدَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُمْ، فيكُونُ ذَلِكَ مَرْدُودًا.
وَانْظُرْ كُلَّ مَعْرُوفٍ صَنَعَهُ هَؤُلَاءِ، مِنْ كَفَالَةٍ أَوْ حَمَالَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْأَشْيَاءِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا رَدَّهُ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ، فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ مَا رَدَّهُ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْعَبْدِ، عَلِمَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ، أَتَجُوزُ كَفَالَتُهُ أَمْ لَا تَجُوزُ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ في التِّجَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ.

.في كَفَالَةِ الْعَبِيدِ بِإِذْنِ سَادَتِهِمْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ حَمَالَاتِ الْعَبِيدِ وَوَكَالَاتِهِمْ في الْخُصُومَاتِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ، أَجَائِزَةٌ هِيَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُوَكِّلُ عَبْدَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فيأْتِي الْعَبْدُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ السَّيِّدُ وَلَا يَحْلِفُ السَّيِّدُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَبْدُ عِنْدِي في هَذِهِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانَ حُرًّا، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ دَيْنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
أَيْنَ يَكُونُ ذَلِكَ أَفي ذِمَّتِهِ أَمْ في رَقَبَتِهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ تَحَمَّلَ لِسَيِّدِهِ فَأَفْلَسَ السَّيِّدُ أَوْ مَاتَ، بِيعَ الْعَبْدُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ دَيْنَهُ قِبَلَ السَّيِّدِ، وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَتْرُكَ السَّيِّدَ وَيَتْبَعَ الْعَبْدَ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ في ذِمَّةِ الْعَبْدِ.
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَحَمَّلَ بِالدَّيْنِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَمْرِ السَّيِّدِ؛ كَانَ ذَلِكَ في ذِمَّتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ في رَقَبَتِهِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ مَا عَجَزَ عَنْهُ مَالُ سَيِّدِهِ، فيكُونُ في ذِمَّتِهِ يُتَّبَعُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ.
قُلْت: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بِذَلِكَ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْهُمْ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ جَائِزٌ، إذَا أَذِنَ لَهُمْ سَادَاتُهُمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَازَ مَعْرُوفُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إلَى رِقِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِقَّ نَفْسَهُ بِهِبَتِهِ مَالِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَكَفَّلَ هَؤُلَاءِ لِسَيِّدِهِمْ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفَ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ إذَا أَذِنَ لَهُمْ سَيِّدُهُمْ.
فَإِنْ تَكَفَّلُوا بِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ.
قُلْت: وَيَجْبُرُهُمْ سَيِّدُهُمْ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلُوا بِهِ؟
قَالَ: لَا، لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ بِهِ لَا أَنْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ، وَإِنْ تَكَفَّلُوا لَهُ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ.

.في كَفَالَةِ الْعَبْدِ الْمِدْيَانِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ، فيأْمُرهُ سَيِّدُهُ فيتَكَفَّلُ بِكَفَالَةٍ، أَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الدَّيْنِ مَا يَضُرُّ بِهِمْ في الدَّيْنِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْحُرِّ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا كَفَالَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ، وَالْكَفَالَةُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ، فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا.
فَأَرَى الْعَبْدَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِثْلَ الْحُرِّ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ قَدْ اغْتَرَقَ مَالَهُ.

.في الرَّجُلِ يُجْبِرُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ: اُكْفُلْ عَنِّي بِهَذَا الْمَالِ، فَقَالَ الْعَبْدُ: لَا أَكْفُلُ فَقَالَ السَّيِّدُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ جَعَلْتَهُ كَفيلًا بِهَذَا الْمَالِ.
أَيَلْزَمُ الْعَبْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَالْعَبْدُ يَقُولُ: لَا أَرْضَى لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ عَتَقْتَ لَزِمَتْنِي هَذِهِ الْكَفَالَةُ فَلَا أَرْضَى قَالَ: ذَلِكَ عِنْدِي غَيْرُ لَازِمٍ لِلْعَبْدِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَعْتِقُ عَبْدَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ: إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَرِهَ الْعَبْدُ ذَلِكَ.

.في السَّيِّدِ يَكْفُلُ عَنْ عَبْدِهِ بِالْكَفَالَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ مِنْ عَبْدِهِ سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ، أَوْ يَتَكَفَّلُ عَنْ عَبْدِهِ بِكَفَالَةٍ فيؤَدِّي السَّيِّدُ ذَلِكَ الْمَالَ عَنْ عَبْدِهِ فيعْتِقَهُ، أَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ بِهِ سَيِّدُهُ أَمْ لَا في قَوْل مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ يَتْبَعُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في عَبْدٍ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِسَيِّدِهِ الَّذِي بَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، إنَّمَا هُوَ دَيْنِكَ قَدْ بِعْتنِيهِ وَلَمْ تُبَيِّنْهُ لِي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الدَّيْنُ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ يَتْبَعُهُ بِهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ الْعَبْدَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَرِهَ رَدَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ.

.في السَّيِّدِ يَكُونُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ الدَّيْنُ فيأْخُذُ مِنْهُ بِهِ كَفيلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، أَخَذَ مِنْهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ كَفيلًا، أَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْكَفيلَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُحَاصُّ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ إذَا أَفْلَسَ الْعَبْدُ.

.في الْحَمَالَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّكَ فَهُوَ عَلَيَّ وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا، مَتَى يَلْزَمُ الْكَفيلَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَالُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَاضِرًا مَلِيًّا.

.في الْحَمَالَةِ إلَى مَوْتِ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُلْت: إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّكَ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ يَضْرِبُهُ لِنَفْسِهِ.

.في الْحَمَالَةِ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا كَفيلٌ بِمَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الَّذِي يَبِيعُ إلَى الْعَطَاءِ، قَالَ مَرَّةً: كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ كَانَ مَعْرُوفًا ثُمَّ تَحَوَّلَ فَلَا يُعْرَفُ.
وَلَا يُعْجِبُنِي.
ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ فيهِ: مَرْفِقٌ لِلنَّاسِ وَلَا يَجُوزُ، أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا، فَأَمَّا الْحَمَالَةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَطَاءُ مَعْرُوفًا، إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلِ بَيْعٍ، إنَّمَا هُوَ سَلَفٌ أَوْ دَيْنٌ أُنْظِرَ بِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ وَقَدْ كَانَتْ عُقْدَةُ الْبَيْعِ صَحِيحَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ.

.في الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلْت بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنِّي وَيَقْضِي لِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: لَا يَقْضِي لَكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إنْ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ أَعْدَمَ الْحَمِيلُ أَوْ أَفْلَسَ؛ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ.

.في الْحَمِيلِ يَقْتَضِي مِنْ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ ثُمَّ يَضِيعُ مِنْهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَكَفَّلَ بِمَالٍ عَلَيَّ فَدَفَعْتُهُ إلَى الْكَفيلِ، فَضَاعَ مَنْ الْكَفيلِ، أَيَكُونُ الْكَفيلُ فيهِ مُؤْتَمَنًا أَمْ يَكُونُ ذَلِكَ اقْتِضَاءً؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
قَالَ: وَأَرَى إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْكَفيلِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ مِنْهُ لَهُ، فَأَرَاهُ مِنْ الْكَفيلِ.
قُلْت: عُرُوضًا كَانَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في كَفَالَةِ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ الَّتِي قَدْ عَنَّسَتْ وَرَضِيَ حَالَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ الْبِكْرَ الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ وَعَنَّسَتْ في أَهْلِهَا تَكَفَّلَتْ بِكَفَالَةٍ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في هِبَتِهَا وَصَدَقَتِهَا: لَا تَجُوزُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عَنَّسَتْ، فَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا في هَذَا.
قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّ بُضْعَهَا بِيَدِ أَبِيهَا.
قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ: إذَا عَنَّسَتْ جَازَ أَمْرُهَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا قَطُّ، وَلَكِنْ وَجَدْتُهُ في كِتَابِ عَبْدِ الرَّحِيمِ.

.في حَمَالَةِ الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ الَّتِي قَدْ عَنَّسَتْ وَلَمْ يَرْضَ حَالَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ جَارِيَةً بِكْرًا في بَيْتِ أَبِيهَا، أَتَجُوزُ كَفَالَتُهَا؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهَا وَلَا بَيْعُهَا وَلَا صَدَقَتُهَا وَلَا عِتْقُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَجَازَ الْوَالِدُ كَفَالَةَ الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ، أَيَجُوزُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ مَعْرُوفُ الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ.
وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَالِدُ؛ لَمْ يَنْبَغِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُجِيزَهُ، فَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ الْبِكْرَ تَتَكَفَّلُ بِكَفَالَةٍ بِإِذْنِ، وَالِدِهَا وَذَلِكَ بَعْدَ مَا حَاضَتْ، أَتَجُوزُ كَفَالَتُهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: هِيَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ وَبِمَنْزِلَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ تَكَفَّلَ بِكَفَالَةٍ عَنْ رَجُلٍ بِإِذْنِ الْوَالِدِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَالَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلَا مَالَ الْجَارِيَةِ الَّتِي قَدْ حَاضَتْ، فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ هَهُنَا مَعْرُوفٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَالِدِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا في بَيْتِ أَبِيهَا، فَأَعْطَتْ الْوَالِدَ أَوْ الْوَالِدَةَ مَنْ مَالِهَا شَيْئًا، أَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُمَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُمَا في ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ.
فَإِذَا أَعْطَتْ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَهِيَ بِكْرٌ في بَيْتِ أَبِيهَا لَمْ تَجُزْ عَطِيَّتُهَا. فَكَذَلِكَ وَالِدَتُهَا وَوَالِدُهَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَالْبِكْرُ لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَصْنَعَ الْمَعْرُوفَ في مَالِهَا، وَإِنَّمَا الْكَفَالَةُ مَعْرُوفٌ وَهِيَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لَهَا قَضَاءٌ في مَالِهَا.

.في كَفَالَةِ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا:

قُلْت: هَلْ تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ كَفَالَتُهَا فيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثُلُثِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كَفَالَةَ الْمَرْأَةِ أَتَجُوزُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ في ثُلُثِ مَالِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَصْنَعَ الْمَعْرُوفَ في مَالِهَا وَإِنَّمَا الْكَفَالَةُ مَعْرُوفٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا تَكَفَّلَتْ بِكَفَالَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثُلُثِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْرُوفٍ تَصْنَعُهُ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ فَهُوَ في ثُلُثِهَا، وَالْكَفَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ وَجْهِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في بَيْعِ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ دَارَهَا أَوْ خَادِمَهَا أَوْ دَابَّتَهَا: جَائِزٌ عَلَى مَا أَحَبَّ زَوْجُهَا أَوْ كَرِهَ إذَا كَانَتْ مَرْضِيَّةً في حَالِهَا وَأَصَابَتْ وَجْهَ الْبَيْعِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى إنْ كَانَ فيهِ مُحَابَاةٌ، كَانَ في ثُلُثِ مَالِهَا.
قَالَ: وَإِنْ تَصَدَّقَتْ وَهِيَ مَرْضِيَّةُ الْحَالِ: لَمْ يَجُزْ لَهَا إلَّا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثُّلُثِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ: لَمْ يَجُزْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
قُلْت: فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَاشْتِرَاؤُهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ شِرَاؤُهَا وَبَيْعُهَا في مَالِهَا كُلِّهِ وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا.
قُلْت: فَإِنْ حَابَتْ في بَيْعِهَا؟
قَالَ: تَجُوزُ مُحَابَاتُهَا في بَيْعِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثُلُثِهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ لَا يُجِيزُ مَالِكٌ كَفَالَتَهَا إلَّا في ثُلُثِهَا، وَيُجِيزُ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا في جَمِيعِ مَالِهَا؟
قَالَ: لِأَنَّ كَفَالَتَهَا مَعْرُوفٌ.
قُلْت: وَالْمُحَابَاةُ في الْكَفَالَةِ مَعْرُوفٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيَّةِ الْحَالِ قَالَ: إنْ كَانَتْ سَفيهَةً ضَعِيفَةً في عَقْلِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهَا مِنْ الَّذِي صَنَعَتْ شَيْءٌ في هِبَةٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، أَجَازَ ذَلِكَ زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يُجِزْهُ في كَفَالَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْحَمَالَةُ مَعْرُوفٌ مِنْ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، لَا ثُلُثٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ الثُّلُثَ فَأَدْنَى إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَكَانَتْ لَا يُوَلَّى عَلَيْهَا.
قُلْت: وَكُلُّ مَا فَعَلَتْهُ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ مِنْ مَعْرُوفٍ في مَالِهَا، أَوْ تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ أَوْ تَكَفَّلَتْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، لَمْ يَجُزْ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا زَادَتْ الدِّينَارَ أَوْ الشَّيْءَ الْخَفيفَ، فَهَذَا يُعْلِمُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ الضَّرَرَ، فَهَذَا يُمْضَى.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الدِّينَارَ الَّذِي زَادَتْهُ عَلَى ثُلُثِهَا، أَتُمْضِيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ تَرُدُّهُ وَتُمْضِي الثُّلُثَ؟
قَالَ: بَلْ يُمْضَى، وَإِنَّمَا أَمْضَيْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ ضَرَرٍ تَعَمَّدَتْهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَقَدْ كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ الْقُضَاةِ إلَى مَالِكٍ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى في جَارِيَةٍ لَهُ إنْ وَسِعَهَا الثُّلُثُ أَنْ تَعْتِقَ، وَإِنْ لَمْ يَسَعْهَا الثُّلُثُ فَلَا تَعْتِقُ، فَمَاذَا تَرَى فيهَا؟
قَالَ: أَرَى فيهَا كَمَا قَالَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَسَّ مِنْ ثَمَنِهَا عَنْ الثُّلُثِ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَانِ، فَلَا أَرَى أَنْ تُحْرَمَ الْعِتْقَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى إنْ كَانَ الَّذِي زَادَ عَلَى الثُّلُثِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ أَنْ تَغْرَمَهُ الْجَارِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهَا اتَّبَعَتْ بِهِ دَيْنًا تُؤَدِّيهِ إلَى الْوَرَثَةِ.
قُلْت: وَلِمَ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ بِثُلُثِهَا فَأَدْنَى جَازَ ذَلِكَ، إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ.
فَإِنْ زَادَتْ عَلَى ثُلُثِهَا أُبْطِلَ جَمِيعُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثُّلُثُ فَأَدْنَى، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ ضَرَرًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ رَآهُ ضَرَرًا، أُبْطِلَ جَمِيعُهُ وَلَمْ يَجُزْ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ بِعِتْقِ رَقِيقِهَا في شَيْءٍ أَنْ لَا تَفْعَلَهُ - وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ - فَفَعَلَتْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا قَدْ حَنِثَتْ.
فَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ عَتَقُوا وَإِنْ كَانُوا جُلَّ مَالِهَا، فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَقَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ وَكَثِيرٌ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ فَارَقَهَا، رَأَيْتُ أَنْ يُعْتِقَهُمْ وَلَا يَسْتَرِقَّهُمْ.
قَالَ: وَهُوَ رَأْيِي.
وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِقَضَاءٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ وَلَدَهَا وَوَالِدَهَا أَهِيَ في عَطِيَّتِهَا إيَّاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ.